Colloque scientifique
ندوة
في إطار الأنشطة الموازية
ندوة اشرف عليها قدماء تلاميذ المدرسة الفرنسية الاسلامية بتطوان بشركة مع جمعية الثقافة الاسلامية يومه تحت عنوان «فكر الزعيم عبد الخالق الطريس» قراءة في كتاب ذ طارق حيون... بمشاركة الدكاترة لطيفة الوزاني، عبذ العزيز السعود ، إدريس بوهليلة . تراسة النذوة ذ عبدالمجيذالادريسي
قراءة في كتاب
... في لقاء علمي مع المؤرِّخ الدكتور عبد العزيز السعود و الدكتور إدريس بوهليلة رئيس شعبة التاريخ و الحضارة بكلية الآداب (مرتيل) ، و الدكتورة الباحثة لطيفة الوزاني الطيبي ، بمقرِّ جمعية الثقافة الإسلامية ، بصدد التنقيب عن منابع الفكر السياسي للأستاذ عبد الخالق الطرِّيس ، في ندوة فكرية و نقد معرفي ، وقد حضرتْ مجالسة المنتدى نخبة مثقفة من رجال الفكر . لطيفة الوزاني الطيبي الحاصلة على دكتوراة في الآداب العربي ، لها أبحاث عديدة ، من بينها ، فنّ المقالة في مغرب الحماية ، وقد حققتْ أيضا مخطوطات ، و شاركت في مؤتمرات مغربية و دولية .
تعاملت الباحثة مع مؤلف الفكر السياسي لعبد الخالق الطرِّيس بمنهج علمي صرف على نهج الأطاريح الجامعية . فلا وجود لعلم أو بحث علمي محايد . كما أنَّ الآليات و الأدوات العلمية موَّحدة . أخضعتْ تحليلها في خانات علمية وهي مُموْضوعة ، لقواعد التأليف في مادة التأريخ . لكي تحقق هدف الندوة العلمية عند البناء الهيكلي للتصميم ، و تقسيم الكتاب إلى أبواب و فصول ، من أجل تقصير المسافة الفكرية بين أسلوب الكاتب و تحليل المحاضِرة . عند الخوض في إيديلوجية الأستاذ الطرِّيس و الحديث عن ماضيه و مواقفه الوطنية ، و العقيدة الوَحدَويَة في فكره ، و الذي استمهن باسم الحرية و الديمقراطية وحدة الحزبين ، حزب الإصلاح الوطني و اندماجه في حزب الاستقلال . فرَّغتْ نفسها الدكتورة الباحثة ، لمنهج المقريزي و سارتْ على نهجه و منواله ، حتى استقطبتْ نباهة المتلقين بما تحويه من نقد بناء ، وقد يُعلي من منزلة المؤلِِف الذي تميز بالروح العلمية و بصدر رحب ، و بتجاذب من قول رفيع المستوى ..
وقد أنجزت الدكتورة لطيفة الوزاني الطيبي بحثاً على طريقة أطورحة الدكتوراة :
باسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله المطهرين من الرجس في الذكر المبين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
سلام الله عليكم جميعا تحيةً منبعها القلب بعد غياب - فرضته ظروف قاهرة - عن هذه القاعة التي تشهد جدرانها وسقوفها ومستلزماتها على تناسل أنشطة ثقافية وازنة بها شكلا ومضمونا، وطنيةً ودوليةً تركت بصمتها خالدةً في ذاكرة المدينة وخارجها، إذ لا يزال صداها يتردد على مسامعنا، ووقع فوائدها يرصع ذاكرتنا.
وها نحن اليوم نعود لأنشطتنا الثقافية من جديد مع علَم من أعلامنا الكبار المرحوم الأستاذ عبد الخالق الطريس من خلال قراءة في كتاب "الفكر السياسي للزعيم عبد الخالق الطريس" لمؤلفه الأستاذ محمد طارق حيون، لتكون هذه القراءة أولى جلسة ثقافية تستفتح بها جمعية الثقافة الإسلامية بتطوان أنشطتها الثقافية بعد التوقف المشار إليه سابقا، والذي يمكن اعتباره استراحة محارب كان يستجمع قواه ليستأنف حربه من جديد، حربا ضد الركود والأمية والجهل لصالح العلم والمعرفة والتنوير والوعي والانفتاح على آفاق مستقبل واعد في مجال الثقافة بمعانيها المتعددة المتشعبة.
وقد أسعدتني دعوة المشاركة في هذه القراءة بقدر ما أربكتني: أسعدتني لكوني ارتبطت بالشخصية المحتفى بها اليوم منذ سنوات خلت عبر بحثين أنجزتهما سنوات خلت: كان الأول عن فن المقالة بمغرب الحماية من خلال نماذج الأستاذ عبد الخالق الطريس، باعتباره أحد أعلام هذا الفن الأدبي في تلك المرحلة. قمت بجرد بعضها وتصنيفها ودراستها واستخلاص نتائج البحث منها. وتعلق البحث الثاني بجمع الرحلة التي دونها العلامة الصوفي سيدي التهامي الوزاني تحت عنوان "بين تطوان وجبل العلم" من جريدة "الحرية" لسان حال "حزب الإصلاح الوطني" آنذاك. وهي رحلة قام بها الحزب المذكور لجبل العلم ونواحيه لزيارة قطب المغرب مولاي عبد السلام بن مشيش من جهة، وتوعية وإيقاظ همم القرويين للدفاع عن الوطن والمطالبة بالاستقلال من جهة أخرى. فازددت قربا من شخصية الأستاذ الطريس وباقي أعضاء الحزب لصراحة سيدي التهامي الوزاني في كتاباته التي تميط اللثام عن جوانب كثيرة فيما تناولته يراعته.
وما أربكني في دعوة المشاركة هو صراحتي أنا أيضا أثناء تناولي لعمل ما إيمانا مني بأن عالم المعرفة الحقة لا يحتمل المجاملات، لأنها لا تخدم العلم في شيء. والنقد العلمي يخضع لمعايير علمية تفتل في حبل مصلحة الإنتاج الأدبي تقييما وتقويما نحو مستوى فكري وإبداعي أفضل، مما يزيد في قيمته وتأدية رسالته على أحسن وجه.
ولهذه الاعتبارات كلها، اخترت من بين أنواع القراءات قراءة نقدية لا أدعي أنها ستكون شاملة للكتاب بقدر ما هي نزهة بين بعض ثناياه بما قد يخدم مستوى وقيمة الكتاب في الطبعات القادمة إن شاء الله. وهي قراءة سأركز فيها على الجانب المنهجي في تأليفه مضمونا وشكلا في اختصار شديد. وقبل تسطير الملاحظات النقدية حول المؤلَّف، لا بد من كلمة أولى في حقه:
إن الكتاب المحتفى به اليوم ثمرة طيبة ستعود حسناتها بالخير على مؤلفه جزاه الله على نيته ومجهوده. وهو إضافة للخزانة التي توثق للحركة الوطنية في المغرب عموما وفي شماله على وجه الخصوص. والكتاب من الناحية البصرية جميل في منظره، يحمل غلافه صورة هي عبارة عن تطريزعربي يتماشى مع الجانب التراثي أكثر من جانب ثقافي آخر، كما أن الطبعة أنيقة بورقها الجيد الذي تعلو زاويتيه الخارجيتين زخرفة عربية إسلامية أيضا. وبما أن العنوان هو المدخل لجميع القراءات الكتبية لأنه عتبة تختزل لب المضمون، وجب التوقف عنده قليلا؛ خاصة وأن الكتاب يحمل عنوانا دسما يتكون من مكونين أساسيين هما:
المكون الأول: الفكر السياسي:
وتعني العبارة كل ما يصدر عن العقل الإنساني من أفكار وآراء ونظريات ووجهات نظر تتعلق بعالم السياسة وظواهره وقضاياه وهو نوعان:
فكر سياسي عشوائي : وهو الذي لا يلتزم صاحبه فيه بأي منهج من مناهج المعرفة سواء كان فلسفيا أو قانونيا أو علميا ...إلخ.
فكر سياسي منهجي (أي منظم): وهو الذي يلتزم صاحبه فيه منهجا من مناهج المعرفة، سواء أكان منهجا علميا أو فلسفيا أو قانونيا إلخ.
فالفكر السياسي إذن هو فلسفة ونظرية تقوم على دراسة موضوعات سياسيّة كالحرية والعدالة والحقوق والقانون ويشير غالباً إلى الرأي العام، ويمكن دراسته باعتباره أحد فروع العلوم السياسية. كما يمكن تعريفه بأنّه أيديولوجية تؤسس للعمل السياسي كالبرامج الانتخابية والأحزاب، حيث تمتلك هذه البرامج مجموعة من الأفكار والتصورات والمبادئ والمذاهب...
المكون الثاني: الزعيم عبد الخالق الطريس:
وهو أحد رواد الحركة الوطنية الكبار الذين أنجبتهم مدينة تطوان عاصمة المنطقة الخليفية وسرى نفعهم حتى في المنطقة السلطانية لما عرف عنهم من حنكة سياسية وإخلاص وتفاني في خدمة الوطن. وبما أنه صاحب الفكر السياسي موضوع الكتاب المناقش في هذه الجلسة، فلا بأس أن نعرج على بعض جوانب حياته بالوقوف عند أهم المحطات في اختصار شديد:
الأستاذ عبد الخالق الطريس سليل إحدى الأسر الأندلسية العريقة التي استقرت بمدينة تطوان بعد نكبة الموريسكيين. ولد بزنقة القائد سنة 1910، ونشأ في بيت نبيل عريق. كان أبوه حاكما للمدينة وجده نائبا سلطانيا لجلالة الملك الحسن الأول ونجله الملك عبد العزيز على طنجة يتولى تدبير الشؤون الخارجية للبلاد. ولا شك أنه تأثر بهما وما كان يصدر عنهما من آراء تتعلق بالاستعمار ومناهضته وخدمة العرش والوفاء له. بدأ دراسته بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم وتلقي بعض الدروس العلمية، ثم التحق سنة 1925 بالمدرسة الأهلية ليتابع بعدها دراسته بجامعة القرويين حيث لم يقتنع بالدراسة فيها رغم متانتها؛ فيشد الرحال إلى الجامعة المصرية بالقاهرة لدراسة الفلسفة والأدب، وكان حينها من الملازمين للدكتور طه حسين. ثم انتقل إلى جامعة السربون بباريس لتلقي الثقافة العصرية، وهناك وطد علاقات مع رجال الفكر من مغاربة ومشارقة وفرنسيين.
عاد الأستاذ عبد الخالق الطريس إلى بلده سنة 1932 بعدما ساهم بمصر في إنشاء "جمعية الدفاع عن المغرب الأقصى" وبفرنسا في تأسيس "جمعية طلبة شمال إفريقيا"، لينخرط في أعمال الحركة الوطنية صمن أعضاء الكتلة الوطنية في الشمال؛ فكان أول ما استهل به عمله الوطني بعد عودته من فرنسا تأسيس أول جمعية ثقافية من نوعها في المغرب وهي "جمعية الطالب المغربية" التي ظل منبرها التاريخي يصدح بمحاضراته المتميزة طيلة الفترة الممتدة بين 1932 و1970.
وفي فاتح مارس 1934 أصدر أول جريدة وطنية باللغة العربية وهي جريدة "الحياة" الأسبوعية لسان حال الوطنية المغربية عامة. وفي سنة 1935 عمل على تأسيس "المعهد الحر" أول ثانوية وطنية خاصة بالربوع. وقد خدم هذا المعهد في حياته وحتى بعد مماته لما أوقف خزانة كتبه القيمة على مكتبته.
وفي 18 دجنبر 1936 أسس رفقة رجال مخلصين أول حزب سياسي منظم في المغرب وهو "حزب الإصلاح الوطني" الذي سيسجل مواقف وطنية مشهودة إلى حين إدماجه من طرفه مع "حزب الاستقلال" تحت اسم هذا الأخير بُعيْد إعلان استقلال المغرب في 02 مارس 1956.
وفي سنة 1938 شارك في المؤتمر البرلماني للدفاع عن فلسطين. وفي سنة 1941 سافر إلى برلين لإقناع المسؤولين في ألمانيا بضرورة استقلال المغرب، الشيء الذي دفع فرنسا إلى الحكم عليه غيابيا بالإعدام سنة 1944.
وفي سنة 1947 وقف رفقة أعضاء حزبه وأنصاره من مختلف أقاليم الشمال موقفا مشهودا إثر الزيارة التاريخية لجلالة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس إلى طنجة، اتجه بعدها الأستاذ الطريس إلى القاهرة للدعاية للقضية الوطنية حيث اتصل بالجامعة العربية وساهم في إنشاء "مكتب المغرب العربي" و"لجنة المغرب العربي". كما عمل مع رفاقه في الوطنية على تحرير عبد الكريم الخطابي وعائلته من الباخرة التي كانت تقلهم من منفاهم بجزيرة "الرييونيون" إلى فرنسا عبر قناة مصر.
وفي 1948 عاد إلى المغرب وعقد مؤتمرا صحفيا بطنجة كان من نتائجه منع السلطات الإسبانية دخوله إلى تطوان مما أجج الاحتجاجات والمظاهرات بها، انتهت بأحداث 08 فبراير الدامية. وظل خارجها أربع سنوات إلى أن عين الجنرال بالينيو مقيما عاما لإسبانيا بالشمال حيث سمح له بالعودة إلى مدينته.
وفي يوم 20 غشت 1953 كان الأستاذ الطريس في مقدمة من استنكروا نفي جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، فرفع الاحتجاجات ونظم المظاهرات وجعل داره ملاذا للوطنيين من الشمال والجنوب إلى أن عاد جلالته وحصل المغرب على استقلاله.
أما الوظائف التي تقلدها الأستاذ عبد الخالق الطريس، فقد عمل قبل الاستقلال مديرا للأحباس بالحكومة الخليفية ثم وزيرا للأحباس الإسلامية فوزيرا للشؤون الاجتماعية. وبعد الاستقلال، عين سفيرا قيما على شؤون الشمال، ثم أول سفير للمغرب بمدريد، ثم أول سفير للمغرب بالقاهرة ومندوبا دائما في الجامعة العربية، ثم وزيرا للعدل ووصيا على العرش لما سافر جلالة المغفور له الملك محمد الخامس إلى سويسرا للتداوي وكان ولي عهده مولانا الحسن على رأس الوفد المغربي في هيأة الأمم المتحدة.
هكذا عاش الأستاذ الطريس في خدمة الوطن والعرش إلى أن وافته المنية في 27 ماي 1970 تاركا خلفه إرثا نضاليا وآخر ثقافيا متمثلا في مقالات تكاد لا تحصى نشرت على صفحات الصحف والمجلات التي يرجع الفضل إليه في إصدار بعضها ك "الحياة" و"الحرية" و"الأمة" والمساهمة في الكتابة في غيرها ك "السلام" و"المغرب الجديد" و"الريف" و"العلم" و"الأنوار".
نستنتج من مكونات عنوان الكتاب أن مضمونه مادة زاخرة فخمة بفخامة فكر هذا الزعيم الوطني الكبير الذي بهر محيطه بتكوينه المتنوع، ونباهته المبكرة، وجرأته وثقته بنفسه وبقضايا وطنه. وبعد تصفح الكتاب، نجد مؤلفه الأستاذ محمد طارق حيون لم يدخر جهدا في جمع المادة التي كان من المفروض أن تخدم المضمون بطريقة أعمق. فقد نهل من ستة كتب ومجموعة من المقالات المنشورة في الجرائد والمجلات، والتي تطرقت لبعض جوانب شخصية الأستاذ عبد الخالق الطريس، ومنها فكره السياسي موضوع الكتاب. لكن بعد قراءة الكتاب، اتضح لي من وجهة نظري أن المؤلف إذ أجاد في اختيار الموضوع وجمع مادته، لم ينتبه إلى مسألة أهم من ذلك وهي دراسة ما تحصل تحت يديه من المعلومات تحليلا وتأويلا ليتحف المتلقي بصفة عامة والمهتم بتاريخ الحركة الوطنية وروادها بصفة خاصة بنتائج البحث المنتظرة والتي تجيب عن إشكاليات تفرض نفسها فرضا أهمها في هذا السياق:
ما هي أصول الفكر السياسي عند الأستاذ عبد الخالق الطريس ومرجعيته في ذلك؟
من هم الرواد الذين تأثر بهم في مسيرته النضالية؟
ما هي ركائز وأسس إيديولوجيته السياسية التي اعتمد عليها في بلورة فكره السياسي الذي أنتج لنا مجموعة من المؤسسات والمنابر الإعلامية والتعليمية والنضالية والتنظيمات الحزبية والشبابية التي كان يقودها طيلة فترة الحماية؟
فمهمة الباحث – بعد جمع المادة – هي فحصها بإمعان، ودراستها وتحليلها لاستنطاقها وتعرية ما يوجد بين سطورها بما يخدم البحث العلمي الرصين والهادف، خاصة وأن الأمر يتعلق بمرحلة تاريخية لا زلنا نفتقر فيها لما يشفي غليلنا من معلومات حولها وحول رجالاتها. وقد كان من نتائج هذه الهفوة (إن صح تسميتها كذلك) أن جاء مضمون الكتاب سردا للمعلومات المأخوذة من المراجع المعتمدة، وكأن الأستاذ حيون رام بذلك لمْلمة ما ورد متفرقا في تلك المراجع ليجمعه في مرجع واحد هو هذا الكتاب، وهي نقطة تحسب له على كل حال.
لكن على الرغم من إيجابية هذا الأمر، إلا أن هناك ما يشينه وهو بناء مواد الكتاب، ذلك أن المتصفح لفهرس المواد يلاحظ بسرعة أن الكتاب لا يخضع لقواعد التأليف المعتمدة: فلا أبواب ولا فصول ولا مباحث... وإنما مواد الكتاب مقسمة على مجموعة من العناوين هي بدورها عبارة عن أحكام قيمة جاهزة ومطلقة تتراوح بين مفهومين سياسيين فقط هما "الديمقراطية" و"الوحدة"، وكأن الفكر السياسي للأستاذ عبد الخالق الطريس كان يقوم على هاتين القضيتين فقط. ومن أمثلة هذه الأحكام نجد: "الطريس رجل المواقف والمثل العليا والمبادئ الكبرى"، "الطريس رائد الكفاح من أجل الهوية الوطنية"، "الطريس رائد النضال الوحدوي"... ولا يفهم من كلامي هذا أني أجرد الأستاذ الطريس من هذه الصفات، فهو رحمه الله أحق الرجال بها لأنه أفنى عمره في خدمة الوطن والعرش ومصلحة الناس ويستحق من المغاربة كل تكريم؛ وإنما ينبغي استنتاج تلك القيم بتجرد عن العاطفة والحمية باستنطاق النصوص ودراسة الأحداث والوثائق تبعا لمعايير الدراسة والتحليل.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، جرت العادة أن يقدم المؤلف إصداره بتقديم يكون بمثابة نافذة مطلة على عوالم الكتاب يشرح فيها المؤلف سبب تأليفه للكتاب وغايته من ذلك؛ إلا أن هذا غير حاصل في كتاب "الفكر السياسي للزعيم عبد الخالق الطريس"، ذلك أن الأستاذ محمد طارق حيون بخل علينا بهذه المعلومات لسبب من الأسباب ليعوض لنا ذلك بتقديم فيه قدر من المبالغة التي لا تخدم في شيء المجال المعرفي الذي يتطلب الموضوعية والحياد: تقديم فيه إسقاطات ذاتية قد تخدش المجهود الذي بذل في هذا الكتاب. ومن أمثلة ذلك قول الكاتب:
"خلف (الأستاذ الطريس) أعمالا ومؤلفات أضحت مرجعا في تحليل الأوضاع في العالمين العربي والإسلامي... وأنا شخصيا لم أصادفها عندما كنت أشتغل على مقالاته؛ وكونه اعتُمد مرجعا في إحدى الدراسات لا يخول لنا أن نطلقها صفة عليه ولا على آثاره.
وقوله أيضا: "كما قدم خدمات كبيرة لبلاده وللأمة العربية والإسلامية" وهذه العبارة سرعان ما أسقطت الكاتب في تناقض مع نفسه وتقريبا في نفس الصفحة عندما قال: "ورغم تعلقه بهويته وانتمائه الوطني، فقد كانت له اهتمامات بما يجري في العالمين العربي والإسلامي من تطورات". إذن سرعان ما قلصت الخدمات الكبيرة التي قدمها للعالمين العربي والإسلامي في الاهتمام فقط بما يجري فيهما كأي غيور على عروبته وإسلامه.
ونجد هذه المبالغة وهذا الانجراف العاطفي ينتقل إلى كثير من صفحات الكتاب، فعلى سبيل المثال أيضا يقول الكاتب في الصفحة 94: "هذا هو الطريس وكفى... الطريس الشامخ... شامخ في الحياة وفي الممات، وعلو في الحياة وفي الممات". وهي عبارة تحمل ما تحمله من إعجاب وتقدير للزعيم، ولكن الأبحاث العلمية الموضوعية ترفض مثل هذه العبارات التي تنضح بالذاتية المفرطة، مع العلم نجد الأستاذ الطريس يشهد بنفسه على نفسه بالتقصير في كثير من المناحي وفي سياقات لا يسع المجال لذكرها.
ومما يلفت الانتباه أيضا في الكتاب غياب الهوامش والإحالات عن جميع صفحات الكتاب. وهذا معناه أن المؤلف قد أغفل إرجاع النقول لأصحابها والاستشهادات لمظانها مما تفرضه الأمانة العلمية في تناقل المعلومة بين المؤلفين من جهة، وشرح بعض الغموض أو إزالة اللبس عن بعضها من جهة أخرى. وهذا أمر غريب ينبغي تداركه في الطبعات اللاحقة.
وختاما وليس آخرا، أنبه إلى أن هذه القراءة لا تنقص من مجهود الأستاذ محمد طارق حيون، ولكنها تزيد عمله قيمة وفائدة. فالنقد إضافة نوعية للإنتاج الفكري والأدبي إذ لا يكتمل هذا الأخير إلا بإخضاعه لمختبر النقد بمختلف آلياته ومناهجه. وأنوه بالمجهود المبذول في الكتاب الذي جاء ليساهم في سد الفراغ الذي يعرفه تاريخ الحركة الوطنية ورجالاتها كما سبقت الإشارة؛ خاصة وأنه يحمل بين دفتيه نصوصا تاريخية مهمة وصورا تؤرخ للحظات مهمة من حياة الزعيم عبد الخالق الطريس في علاقاته مع الملكين الراحلين المغفور له محمد الخامس والمغفور له الحسن الثاني، أو مع بعض زعماء العالم العربي، أو مع بعض الوطنيين المرموقين وغيرهم، مما يغني البحث بقراءة الصورة التاريخية واستنطاقها هي الأخرى كما النصوص. وتبقى النية الحسنة أفضل من العمل ويكفي المجتهد الأجر أخطأ أم أصاب، وعلى الله قصد السبيل وهو الموفق لنا جميعا لما فيه الخير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
عبد المجيد الإدريسي
ندوة حول الصحة النفسية في المدارس العربية
طريق الممشى للأطفال
... وقد أرهفتُ لهذا الحديث قراءتي و سمعي لأستفيد من علم ذات ثمار . نخلو إلى الباحث لبعض الوقت ليحدّثنا في ندوة لعلم النفس المدرسي للناشئة . ليكون هذا البحث العلمي شجرة ذات ظلال وارفة . فما سعينا إلا لننال نصيبا من هذا العمل الأكاديمي . إذا التقينا اليوم ، فثمَّة ندوة لنتزوَّدَ ، و الجديد من علم النفس التربوي للأطفال ، لإغناء الخزانة الوطنية و العربية . فلن تكون نهضة الأمَّة إلا بتعليم النشء و رعايتهم . من هنا تأتي أهمية التنشئة الفكرية للطفل . فالأطفال هم مستقبل الأمة و يُعوَّلُ عليهم في بنائه لكلّ شيء في تفكير لمؤلف دلالة و معنى ، إذ تستوقفنا مصطلحات من نبع الباحث ، كالتربياء و النفسائي ..فللكلمة القوة النافذة . و إنَّ أهمّ ما يذكره هي الدعوة إلى إنشاء مؤسسة تربوية تعليمية تُعنى بعلم النفس المدرسي ، لكي تستقيم لهؤلاء الأطفال طريق الممشى . و منها إلى العالم العربي الذي تغيَّبَ فيه علم النفس المدرسي ، إلا في بعضها ! رسالة التربية هي أنبل رسالة في العلم . فالعلم بحث متواصل ما طال الزمان و المكان . ندوة بقراءة منفتحة المنهج ، غنية بنصوصها العلمية لتتراءى لنا المعرفة متنافسة على مدرجة العصور . ثمَّ الاطلاع على الإطار العلمي لعلم النفس المدرسي الذي يشدُّ بنيان المعرفة لهذا التخصص . فإذا نطقتْ الطفولة من منبع نملكها . ثمَّ ملأتْ نفسي غبطة الدكتورة لطيفة الوزاني الطيبي في: عرضها القيّم شعورها بما تعانيه في النفوس ، للقَّنتنا الأجوبة التي لا نملكها . ثمَّ ملأتْ نفسي غبطة الدكتورة لطيفة الوزاني الطيبي في: عرضها القيّم
باسم الله الرحمن الرحيم، وصل الله وسلم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه أجمعين
في مستهل مداخلتي، أود أن أقدم الشكر الجزيل لمن وجه لي دعوة المشاركة في قراءة كتاب اليوم، وهو الموسوم ب "علم النفس المدرسي/ معالم نظرية ومنهجية وتطبيقية". وهي ثالث قراءة تنظمها جمعية الثقافة الإسلامية بتطوان بشراكة مع جمعية قدماء تلاميذ مدرسة سكينة، وذلك بعد كتاب "الجزائريون في تطوان خلال القرن 19 الميلادي" للدكتور إدريس بوهليلة، وكتاب "الفكر السياسي للزعيم عبد الخالق الطريس" للإعلامي محمد طارق حيون...
وفي مستهل حديثي عن الكتاب، أود أن أقدم تهنئة علمية لمؤلفه الأخصائي النفسي العيادي والمعالج النفسي الذي تذكر الأوساط المدرسية أفضاله على تلامذتها الدكتور أحمد المطيلي، وذلك على توفيقه في اختيار موضوع التأليف وتفوقه في الإحاطة بجوانبه المختلفة إحاطة علمية أكاديمية جمعت بين المعرفي والمنهجي في تناغم تام بين رهان التأليف وتعرية الواقع محاولةً منه في المساهمة في تحسينه بما يعود نفعا على الفئات المستهدفة خاصة منها فئة المتعلمين وفئة المدرسين وأفرادالأسرة..وكما للتأليف مناهجه، فإن لقراءته مناهج متعددة تتراوح بين ما هو موضوعاتي واجتماعي وبنيوي ونفسي وفلسفي وأسطوري وغير ذلك من المناهج النقدية المختلفة. غير أني سأسلك في قراءتي للكتاب منهجا بسيطا نظرا لضيق الوقت الذي تسلمت فيه نسخة الكتاب من جهة، ومن جهة
أخرى أقر أن الكتاب يستحق قراءة أعمق لأهمية مادته
وطريقة تأليفه.
ويشكل العنوان عتبة كل كتاب لما يختزله من تفاصيل عن مادة الكتاب. لذا يراعي المؤلفون على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم دقة اختيار عناوين مؤلفاتهم تلخيصا لمضامينها وجلبا للمتلقي المفترض وغير المفترض أيضا.
والكتاب موضوع ندوتنا يحمل عنوان "علم النفس المدرسي / معالم نظرية ومنهجية وتطبيقية". وهو عنوان صيغ بمكونين أساسيين هما:علم النفس المدرسي:
وهو مكون يلخص بأمانة كبيرة المادة الأساسية للكتاب حيث يوجه ذهن القارئ مباشرة إلى فرع بعينه من فروع علم النفس الكثيرة. وهو غير علم النفس التربوي حسب ما ورد في الكتاب نفسه: "فهو الفرع التطبيقي الذي يعنى بالقضايا التربوية والتعليمية والنفسية المتصلة بالمتعلم فحصا وتتبعا وإنماء ووقاية وإرشادا وعلاجا قصد إقداره على التوافق النفسي والتعليمي والمدرسي مع السعي لتوفير البيئة التربوية والدراسية المتوافقة مع حاجاته وقدراته وميوله وواقعه قدر المستطاع". (ص 46 – 47)
معالم نظرية ومنهجية وتطبيقية: وهذا المكون بقدر ما يُتم دلالات العنوان بقدر ما يفصح عن منهجية الدكتور أحمد المطيلي في تأليف كتابه؛ ذلك أن العبارة تشي بكون المؤلف سيميط اللثام عن الجانب التنظيري لعلم النفس المدرسي لينتقل بعد ذلك إلى جانبه التطبيقي مرورا بالجانب المنهجي الذي يكتسي دائما أهمية خاصة في تنزيل ما هو نظري على أرض الواقع. فجاء عنوان المؤلف جامعا بوعي شديد لمادة الكتاب بطريقة تنم عن صفاء الفكرة ووضوح منهج إيصالها كذلك.وبعد تصفحنا لفهرس الكتاب، نجد المؤلف قد وزع مادته على مقدمة وأربعة فصول وخاتمةمذيلة بثبت المصطلحات بالعربية والفرنسية والإنجليزية، ولائحة غنية للمراجع باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية كذلك.
وتطالعنا مقدمة الكتاب بشرح المؤلف للدوافع والأسباب التي تقف وراء تأليف الكتاب. ولعل أبرزها افتقار المكتبة العربية لمصدر جامع حول علم النفس المدرسي الذي أصبح تطبيقه في المؤسسات التعليمية حاجة ملحة خاصة مع ما أصبحت تعرفه هذه المؤسسات من حوادث مدرسية قائمة على عنف متزايد، أضف إلى ذلك التدني المطرد في مستوى التحصيل والتواصل والرغبة في التعلم والتفوق فيه. ومن جهة، ازدادت رغبة المؤلف في كتابة الكتابمع ما راكمه من تجارب جراء احتكاكه المباشر ببعض المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها واطلاعه على ما تعانيه نفسيا بكل فئاتها. ومن جهة أخرى، مع تجاربه العيادية التي جعلته يراكم خبرة كبيرة في هذا المجال، خاصة ما يتعلق بالفضاء المدرسي وقضاياه التعليمية والتعلمية؛ فضلا عن انفتاحه على هذا العلم في الأقطار الأخرى الأجنبية منها على الخصوص، والمقارنة بين وسطها التعليمي وأوساطنا التي استعصى حل مشاكلها على كل عملية إصلاح لحد الآن. وختم المؤلف مقدمة كتابه بتقديم بنية الكتاب في اختصار مكثف لكنه ملم بجميع مضامينه.أما فصول الكتاب، فقد قسمت كالتالي:
الفصل الأول: وهو شقان، جعل المؤلف الدكتور أحمد المطيلي الشق الأول منه لتسليط الضوء على تاريخ علم النفس المدرسي وروافده ومهامه. فنجده قد قسم تاريخه إلى ثلاث مراحل هي:
مرحلة الإرهاص (1762 – 1879): وفيها يعتبر المؤرخون أن الفيلسوف جون جاك روسو (ت. 1787) هو الرائد الفعلي لحركة "التربية الجديدة" التي اتخذت علم النفس أساسا لفهم الطفل قبل تنشئته ورعايته. فهو صاحب القولة المشهورة: "ابدؤوا إذن بدراسة تلاميذكم فإنكم قطعا لا تعرفونهم". وقد سبقه إلى مثل هذه الأفكار الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (ت. 1704) خاصة في كتابه "أفكار عن تربية الأطفال" (1693)، والذي كان ملهما لجون جاك روسو في كتابة "إميل" (1762) الذي يعتبرعلامة فارقة في علم التربية أو التربياء كما يحلو للدكتور المطيلي تسميته.
مرحلة الريادة (1880 – 1912):ذكر المؤلف أنها مرحلة تحلت بصبغة المنهجية الميدانية حيث تم فيها الاقتراب من التلاميذواتساع حركة إنشاء المدارس وتجديد مناهج التدريس خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ومن رواد هذه المرحلة فرانسيس جالتون، جيمس سولي، ألفريد بينيه، ألفريد أدلير، إدوارد كلاباريد، هانز زوليجر...
مرحلة المأسسة (1913 وما بعدها): وهي مرحلة تم فيها تعيين الأخصائيين النفسيين في المؤسسات التعليمية تعيينا رسميا لمباشرة مهامهم المتمثلة في الاستشارة النفسية وإجراء الفحوص والتتبع النفسي والتربوي والتوجيه والإرشاد لمغالبة مختلف المصاعب والمشكلات والاضطرابات التي يعاني منها المتعلم في مختلف مراحله الدراسية.
كما عرفت مرحلة المأسسة استخدام المراسيم وسن القوانين التنظيمية وعقد الندوات والمؤتمرات محليا ودوليا خاصة في كل من أوروبا وأمريكا ومنها تنظيم المؤتمر الدولي الأول بمدينة هامبورغ الألمانية عام 1954 برعاية منظمة اليونيسكو... وفي نهاية الشق الأول من الفصل الأول، انتقل المؤلف إلى تقييم الوضع المرتبط بالموضوع بالعالم العربي ليخلص إلى استنتاج مفاده أن علم النفس المدرسي يكاد يكون مغيبا عن المؤسسات التعليمية العربية لإكراهات كثيرة لمن أراد الاطلاع عليها فليراجع الكتاب من ص 34 – 46.
أما الشق الثاني من الفصل الأول فقد خصصه الدكتور أحمد المطيلي لتعريف علم النفس المدرسي (وقد أوردنا التعريف ذاته سابقا)، وذكر روافده والتي حصرها فيما يسمى بالقياس النفسي، علم النفس المرضي، علم النفس العيادي، علم نفس النمو، علم النفس
الترب يائي، علم النفس الاجتماعي، التحليل ألنسقي وعلم النفس المعرفي واضعا فقرة إيضاحية لكل رافد منها؛ ليختم الفصل بتعريف النفساني المدرسي بكونه "أخصائيا في مجال علم النفس يتوافر على شهادة تثبت متابعته للدراسة الجامعية في مجال علم النفس لمدة تستغرق في المتوسط خمس سنوات حسب البلدان والتشريعات والقوانين المعتمدة في هذا الشأن. وقد تشترط شهادة الدكتوراه كما هو الحال في بعض الولايات المتحدة الأمريكية". ويحدد الكتاب مهام النفساني المدرسي في خمس هي الفحص النفسي، الاستشارة النفسية والتربيائية، التتبع النفسي والتربيائي، المشاركة الفاعلة في حياة المؤسسة وإعداد التقارير والبحوث.
الفصل الثاني: وقد خصصه الدكتور أحمد المطيلي للإحاطة بتفاصيل البيئة المدرسية من حيث مكوناتها، وظائف هذه المكونات، مع تسليط الضوء على مختلف العلاقات الجامعة بينها.
واستهل فصله بالإشارة إلى أن البيئة المدرسية تتكون من مكونات بشرية هي المتعلم، المدرس والهيئة الإدارية؛ ومكونات فكرية هي المناهج والبرامج الدراسية؛ ومكونات أخرى تتمثل في الضوابط والقوانين والفضاء المكاني.
وقد صنف المتعلمين حسب بعض المعايير إلى التلميذ المنبسط والتلميذ المنطوي والتلميذ القائد والتلميذ المنقاد والتلميذ المعارض والتلميذ الجاد والتلميذ الهازل والتلميذ المجتهد والتلميذ الكسول. وفي نظري، وباعتماد المعايير المشار إليها يكون المؤلف قد أغفل أنواعا أخرى من المتعلمين أصبح لها حضور مؤرق في كل المؤسسات التعليمية، مما يستلزم تسليط علم النفس المدرسي الضوء عليها للإحاطة بشخصياتها وكيفية التعامل معها.
وفي المقابل، انتقل المؤلف لتصنيف أنواع المدرسين بعدما أشار لوضعهم الاعتباري ومكانتهم الاجتماعية وأدوارهم السامية التي من المفروض أن تُترجَم قدوةً ومثلا يُحتذى عند المتعلمين. فصنفهم إلى أنماط هي النمط الألوف والنمط المتعالي والنمط الشغوف والنمط العدواني والنمط المتسلط والنمط المشاور والنمط المتراخي. وهي أنماط قد غابت عنها أخرى تشكل صورا مشرفة للعطاء والكفاءة والتضحية في زمن قل فيه الاعتراف.
بعد ذلك انتقل المؤلف مرورا على الهيئة الإدارية والتي لم تحظ في الكتاب بأكثر من صفحة، إلى تسليط الضوء على البرامج والمناهج الدراسية والتي كشف عن أوجه الخلل التي تعاني منه ملخصا إياها في عدم التلاؤم مع مراحل النمو النفسي للمتعلم، التعالي عن واقع الطفل، غلبة الكم على الكيف والاختلال المنهجي.
ويتطرق الفصل للضوابط والقوانين المتحكمة في البيئة المدرسية بشكل مختصر. ومرد هذا الاختصار هو النسبية التي تعرف بها هذه القوانين حسب الوضعيات وقوة نصوصها التي في غالب الأحيان تكون داخلية. وقد أغفل الكتاب التطرق للمذكرات ودراسة مضامينها ولو مجملا للكشف عن مساهمتها فيما يعرف اليوم بنوع من التراخي والتسيب في ضبط العملية التعليمية التعلمية وكذا الحد من الشغب داخل المؤسسات.
وينتهي الفصل بالحديث عن الفضاء المكاني وما ينبغي أن يكون عليه، معرجا على وظائف المدرسة والعلاقات التربوية داخل المؤسسات التعليمية مشيرا إلى أن أهم ما يميزها تعدد أنواعها ومظاهرها.
الفصل الثالث: خصصه المؤلف لدراسة المشكلات الدراسية والنفسية والعضوية؛ فأدرج في المشكلات الدراسية كلا من اضطرابات التعلم كعسر القراءة وعسر الإملاء وعسر الكتابة وعسر الحساب. سوء التوافق الدراسي، الرغبة عن الدراسة، آفة الغش في الامتحان، الفشل الدراسي، ومشكل التوجيه المدرسي. وأدرج في المشكلات النفسية كلا من اضطرابات الانتباه واضطرابات الكلام والتخلف الذهني ومشكل الطفل الموهوب والمتفوق والعنف المدرسي والهروب من المدرسة والرهاب المدرسي. وختم الفصل بالوقوف على المشكلات العضوية وحصرها في ثلاثة أنواع من الإعاقة هي الإعاقة الحاسية والإعاقة
الحركية والإعاقة الذهنية.
الفصل الرابع:
هو آخر فصول الكتاب خصصه الكاتب للحديث عن مجالات التدخل ومناهجه، ليظل بذلك وفيا لما تضمنه عنوان الكتاب من دلالات ومعاني. ويخبرنا في بداية الفصل بأن تدخلات النفساني المدرسي تشمل مجالات أساسية مترابطة ثلاثة وهي المجال النفسي والمجال الدراسي والمجال المؤسساتي. ورغم اختلاف هذه المجالات، تبقى الأدوات المنهجية المعتمدة من طرف النفساني المدرسي محصورة عموما في:
أولا- المقابلة: وهي تواصل لفظي بين سائل ومسئول للوصول إلى معرفة جوانب المسئول الوجدانية والفكرية والأسرية والتواصلية والتعليمية... وقد تكون المقابلة فردية أو ثنائية أو جماعية، وقد تكون حسب مضمونها مقابلة نفسية أو تربيائية أو توجيهية. وقد يُجري النفساني المدرسي المقابلة مع المتعلم أو مع المدرس أو مع الأسرة. ولإيضاح أكبر أورد المؤلف نماذج من التبليغ تستلزم مقابلة مع النفساني المدرسي مفسرا الإطار العام للمقابلة وما تحتاجه من إطار زماني ومكاني واجتماعي وآداب التدخل والتعامل قبل وبعد المقابلة.
ثانيا – الروائز: وهي أيضا من الأدوات المعتمدة من طرف النفساني المدرسي. وهي متعددة منها روائز الكفاية وتندرج فيها روائز الذكاء وروائز الاستعدادات والقدرات وروائز التحصيل الدراسي. وهناك روائز الشخصية وتندرج فيها استخبارات الشخصية والروائز الموضوعية للشخصية والروائز الإسقاطية. وهذه الروائز يمكن أن تطبق بطريقة فردية أو جماعية...
ثالثا – الملف النفسي التربوي: وهو عبارة من وثيقة تتضمن عددا من البيانات المتعلقة بالمتعلم من حيث النمو النفسي والوجداني والروابط الأسرية والمسيرة الدراسية بمختلف تفاصيلها وغير ذلك من المعلومات التي تجعل من هذا الملف أداة من الأدوات المساعدة للنفساني المدرسي على مزاولة مهامه.
رابعا – الاستمارات: وهي حسب الكتاب إما استطلاعية أو استكشافية.
وأخيرا، خاتمة الكتاب التي هي عبارة عن خلاصة مركزة حشد فيها الدكتور أحمد المطيلي عصارة الكتاب وزبدة بحثه.
نستنتج من قراءتنا للكتاب أنه قيمة مضافة للمكتبة العربية عموما والمكتبة المغربية خصوصا لما قدمه من معلومات قيمة نظرية ومنهجية وتطبيقية حول علم أصبح وجوده في المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاكها يفرض نفسه بشدة؛ وذلك لتنامي انتشار سلوكيات هجينة ومرضية داخل كل من الأسرة والفضاءات التعليمية بكل مكوناتها البشرية، خاصة وأن المجتمع بل والمنظومة التعليمية تعاني من تراجع كبير في المنظومة القيمية والأخلاقية لأسباب لا يسع المجال لذكرها، مما يستدعي تدخلا عاجلا من المختصين في كل المجالات التي لها ارتباط بالتربية والتعليم وأخص بالذكر في هذا المقال الأخصائيين النفسانيين.
.. و حدَّثنا الأديب الكبير و الصحفي أحمد الشيخ بعرض ناقد للدكتور أحمد المطيلي و قد صال و أجاد : و بعد القراءة المدققة و المعمَّقة التي قدمتها الدكتورة لطيفة الوزاني للكتاب ، فضل الأستاذ أحمد الشيخ (القادم من باريس) أنْ يتحدث أولا عن مؤلف الكتاب و مسيرته مع التأليف بدءاً من دراسة الأولى عام 1986م عن علوم الإنسان و علم العمران ، و حتى صدور كتابه الأوَّل العام الماضي عن علم النفس المدرسي ، و يتناول الأستاذ الشيخ الكتاب على أنه من المراجع المهمة ، و الذي بدل صاحبه جهداً كبيراً في تأليفه و أشار إلى حجم و نوعية المراجع التي استند إليها و التي ناهزتْ أربعمائة مرجع تمَّتْ الإحالة إليها جميعاً عبر صفحات الكتاب ، ولم يغفلْ الأستاذ أحمد الشيخ عن توجيه بعض الملاحظات و الانتقادات ، منها أنَّ المؤلف لم يقمْ في بداية الكتاب بتصفية حساب بصورة علمية مع الكتب التي تناولتْ الموضوع ذاته ، و صدرتْ قبل كتابه .. كما ناقش الأستاذ الشيخ أيضاً بصورة مُطولة استغرق المؤلف في نحث تسميات جديدة بدلاً عن التسميات الرائجة مثل : تربوي / تربياء ، و إبستيمولوجيا / علمياء إخصائي نفسي ، و غيرها من المصطلحات التي لم تجدْ بعدُ حاضنةً لها .. و عاب ذ.الشيخ على المؤلف أنه يتهمُ أقرانه بالتذبذب في استخدام المصطلحات، بينما يقع هو في المحظور ذاته، و أنَّ الكتاب غلب عليه الطابع النظري و المنهجي على حساب الطابع العلمي و الميداني... و ازدحمتْ في رأسي إجابات الدكتور أحمد المطيلي في حديثه مشيراً لما قالته الدكتورة لطيفة الوزاني و الملاحظات التي أبدتْ بها كغياب ذكر المؤلف للتسيُّب و التراخي المدرسي .. و أيضاً لأحمد الشيخ مركزاً بصورة أساسية على أزمة المصطلح النفسي في البلدان العربية ، و أنه لا يوجد اتفاق على مصطلح واحد وهو ما دفع الدكتورأحمد المطيلي لنحث مصطلحات نابعة من البيئة و التراث العربي و الإسلامي :
عبد المجيد الإدريسي .